سورة التوبة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


قوله تعالى: {كيف يكون للمشركين عهد} أي: لا يكون لهم ذلك {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} وفيهم ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهم بنو ضمرة، قاله ابن عباس.
والثاني: أنهم قريش، قاله ابن عباس أيضاً. وقال قتادة: هم مشركو قريش الذين عاهدهم نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية، فنكثوا وظاهروا المشركين.
والثالث: أنهم خزاعة، قاله مجاهد. وذكر أهل العلم بالسِّيَر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صالح سهيل بن عمرو في غزوة الحديبية، كتب بينه وبينه: «هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو، اصطلحا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس، ويكفُّ بعضهم عن بعض، على أنه لا إسلال ولا إغلال، وأن بيننا عيبةً مكفوفةً، وأنَّه من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها فعل، وأنَّه من أتى محمداً منهم بغير إذن وليه ردَّه إليه، وأنه من أتى قريشاً من أصحاب محمد لم يردُّوه، وأن محمداً يرجع عنَّا عامه هذا بأصحابه، ويدخل علينا في قابل في أصحابه، فيقيم بها ثلاثاً، لا يدخل علينا بسلاح، إلا سلاح المسافر، السيوفَ في القُرب». فوثبتْ خزاعة. فقالوا: نحن ندخل في عهد محمد وعقده، ووثبت بنو بكر فقالوا: نحن ندخل في عهد قريش وعقدها، ثم إن قريشاً أعانت بني بكر على خزاعة بالرجال والسلاح فبيَّتوا خزاعة ليلاً، فقتلوا منهم عشرين رجلاً. ثم إن قريشاً ندمت على ما صَنَعَتْ، وعلموا أنَّ هذا نقضٌ للعهد والمدة التي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج قوم من خزاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما أصابهم، فخرج إليهم وكانت غزاة الفتح. قال أبو عبيدة: الإسلال: السرقة، والإغلال: الخيانة. قال ابن الأعرابي: وقوله: {وأن بيننا عيبة مكفوفة} مَثَل، أراد: أنَّ صُلْحَنَا مُحْكَم مُسْتَوْثَقٌ منه، كأنه عيبة مشرجة. وزعم بعض المفسرين أن قوله: {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} نُسخ بقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5].


قوله تعالى: {كيف وإن يظهروا عليكم} قال الزجاج: المعنى: كيف يكون لهم عهد وإن يظهروا عليكم، فحذف ذلك، لأنه قد سبق، قال الشاعر:
وخَبَّرُتماني أنَّما الموتُ بالقُرى *** فكيفَ وهذي هضبةٌ وقليبُ
أي: فكيف مات وليس بقرية؟ ومثله قول الحطيئة:
فكيف ولم أَعْلَمْهُمُ خذلوكُمُ *** على مُعظَمٍ ولا أديمَكُمُ قَدُّوا
أي: فكيف تلومونني على مدح قوم؟ واستغنى عن ذكر ذلك، لأنه قد جرى في القصيدة ما يدل على ما أضمر. وقوله: {يظهروا} يعني: يقدروا ويظفروا.
وفي قوله: {لا يرقبوا} ثلاثة أقوال.
أحدها: لا يحفظوا. والثاني: لا يخافوا، قاله السدي. والثالث: لا يراعوا، قاله قطرب.
وفي الإلِّ خمسة أقوال.
أحدها: أنه القرابة، رواه جماعة عن ابن عباس، وبه قال الضحاك، والسدي، ومقاتل، والفراء، وأنشدوا:
إنَّ الوشاة كثيرٌ إن أطعتهمُ *** لا يرقبون بنا إلاً ولا ذِمَمَا
وقال الآخر:
لعَمْرُكَ إنَّ إلَّكَ مِنْ قُرَيش *** كالِّ السَّقْبِ من رَأْلِ النَّعامِ
والثاني: أنه الجوار، قاله الحسن.
والثالث: أنه الله تعالى، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد، وبه قال عكرمة.
والرابع: أنه العهد، رواه خصيف عن مجاهد، وبه قال ابن زيد، وأبو عبيدة.
والخامس: أنه الحِلْف، قاله قتادة. وقرأ عبد الله بن عمرو، وعكرمة، وأبو رجاء، وطلحة بن مصرّف: {إيلاً} بياء بعد الهمزة. وقرأ ابن السميفع، والجحدري: {ألاً} بفتح الهمزة وتشديد اللام. وفي المراد بالذمة ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها العهد، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة، والضحاك في آخرين.
والثاني: التذمم ممن لا عهد له، قاله أبو عبيدة، وأنشد:
لاَ يَرْقُبُوْنَ بِنَا إلاً ولا ذِمَمَا ***
والثالث: الأمان، قاله اليزيدي، واستشهد بقوله: {ويسعى بذمتهم أدناهم}.
قوله تعالى: {يرضونكم بأفواههم} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: يرضونكم بأفواههم في الوفاء، وتأبى قلوبهم إلا الغدر.
والثاني: يرضونكم بأفواههم في العِدَة بالإيمان، وتأبى قلوبهم إلا الشرك.
والثالث: يرضونكم بأفواههم في الطاعة، وتأبى قلوبهم إلا المعصية، ذكرهنَّ الماوردي.
قوله تعالى: {وأكثرهم فاسقون} قال ابن عباس: خارجون عن الصِّدْق، ناكثون للعهد.


قوله تعالى: {اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً} في المشار إليهم قولان:
أحدهما: أنهم الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان على طعامه، قاله مجاهد.
والثاني: أنهم قوم من اليهود، قاله أبو صالح. فعلى الأول، آيات الله: حججه. وعلى الثاني: هي آيات التوراة. والثمن القليل: ما حصَّلوه بدلاً من الآيات. وفي وصفه بالقليل وجهان.
أحدهما: لأنه حرام، والحرام قليل. والثاني: لأنه من عَرَض الدنيا الذي بقاؤه قليل. وفي قوله: {فصدوا عن سبيله} ثلاثة أقوال.
أحدها: عن بيته، وذلك حين منعوا النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية دخول مكة. والثاني: عن دينه يمنع الناس منه. والثالث: عن طاعته في الوفاء بالعهد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8